عمان، الأردن — في اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة هذا العام، يحتفي برنامج "عمل أفضل - الأردن" بقصة ساجدة المسيعديين (26 عاما)، وهي حرفية تطريز أردنية ذات إعاقة جسدية وضعف بصري. وجدت ساجدة بفضل تكيفها وعزيمتها وظيفة في مصنع ألبسة، وأصبحت في نهاية المطاف عضوة لجنة نقابية. تمثل ساجدة اليوم أصوات زملائها وزميلاتها، مولية اهتماما خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع صناعة الألبسة في الأردن.
يوظف قطاع صناعة الألبسة في الأردن نحو 70,000 عاملا وعاملة، بما في ذلك عدد كبير من العمالة من جنوب وشرق آسيا، إضافة إلى أردنيين وأردنيات. من بين أولئك، يوجد أكثر من ألف عامل وعاملة من الأشخاص ذوي الإعاقة، تشكل النساء منهم أكثر من 60%. تشمل الإعاقات الضعف البصري والسمعي، إعاقات الحركة والتنقل، والإعاقات الذهنية والنمائية.
في الأردن، يتطلب قانون العمل وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017 من أي منشأة يعمل فيها 50 شخصا أو أكثر، كما الحال في قطاع صناعة الألبسة، ضمان أن يشكل الأشخاص ذوي الإعاقة نسبة 4% على الأقل من إجمالي القوى العاملة.
وبالرغم من أن القطاع يقدم مثالا جيدا في توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، يمكن فعل الكثير لتيسير توظيفهم وتعزيز تمثيلهم.
على سبيل المثال، يمكن لشركات صناعة الألبسة زيادة جهودها لإجراء التعديلات اللازمة في المنشآت والبنى التحتية لتتماشى مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة. يشمل ذلك تمهيد أرضيات المصانع، وضع لافتات سهلة القراءة، بناء منحدرات بسيطة مهيأة لتحسين التنقل والتوجه، وتعزيز السلامة وسهولة الوصول في أماكن العمل.
إضافة إلى ذلك، فإن تطوير وتنفيذ برامج تدريب مهني لتعزيز توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع صناعة الألبسة خطوة رئيسية. غالبا ما تكلف المنشآت العمالة من الأشخاص ذوي الإعاقة بوظائف بسيطة، بغض النظر عن كفاءاتهم وقدراتهم. تساعد برامج التدريب العمالة على اكتساب وتطوير المهارات الشخصية والفنية التي ستعزز فرص التوظيف، الأمر الذي سيزود مصانع الألبسة بكوادر وظيفية أكثر كفاءة.
كما أن التصدي للوصمة الاجتماعية والتحيزات ضد الأشخاص ذوي الإعاقة خطوة أساسية أخرى لتعزيز ممارسات توظيف شمولية للأشخاص ذوي الإعاقة، سواء في القطاع أو في سوق العمل بأكمله. إلى جانب ذلك، فإن دعم المبادرات القائمة التي تعزز التوعية وتدحض الصور النمطية المرتبطة بالإعاقات أمر في غاية الأهمية.
في نفس الوقت، ينبغي أيضا أن يقوم قطاع صناعة الألبسة، فضلا عن سوق العمل في الأردن، بجهود أكبر لتعزيز الوصول إلى المعلومات وللتوعية بحقوق العمل لدى الأشخاص ذوي الإعاقة.
غالبا ما تفتقر العمالة من الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة النساء، إلى دراية باللجان النقابية على مستوى المصانع والنقابة العمالية في القطاع. إن غياب الشمولية في هيكليات اتخاذ القرارات وفي المناصب الإدارية يعرقل قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على التأثير في إحداث تغييرات ذي مغزى في بيئات عملهم.
وفي تطور هام في قطاع صناعة الألبسة في الأردن، أطلقت النقابة العامة للعاملين في صناعة الغزل والنسيج والالبسة عام 2021 استراتيجية خمسية لتعزيز القدرة التنظيمية للنقابة. أسهم برنامج "عمل أفضل - الأردن" في صياغة الاستراتيجية، التي تركز على تحسين التواصل والتفاعل مع العمالة في القطاع، بما في ذلك الأشخاص الذين لديهم احتياجات خاصة أو متعلقة بالنوع الاجتماعي.
اُنتخبت لجان نقابية للعمالة من الذكور والإناث من جنسيات مختلفة في كل مصنع، وبدأت في عقد اجتماعات دورية مع النقابة وفي ضمان تحقيق تلك الأهداف.
ينتمي اليوم نحو 450 شخصا من العمالة إلى لجنة العمل النقابية تلك، ومن بينهم ثلاثة أفراد ذوي إعاقة. وبالرغم من أن ذلك العدد لا يزال صغيرا، إلا أنه خطوة إيجابية أولى نحو تعزيز الشمولية في القطاع. ساجدة إحدى أولئك الأشخاص، وتعمل على تعزيز حقوق ومصالح زملائها وزميلاتها كشركاء في الحوار مع جهات العمل.
تقدم قصة ساجدة مثالا عظيما وملهما لزملائها وزميلاتها، ممهدة الطريق للمزيد من النساء والأشخاص ذوي الإعاقة لاتباع خطواتها، الترشح لتلك المناصب التمثيلية، وجعل قطاع صناعة الألبسة أكثر شمولية وعدلا.
دعونا نحتفي ونبرز إنجازات ساجدة.
قصة ساجدة بلسانها
ولدت فتاة عادية في مدينة الطفيلة الأردنية، لكن كان قدري أن أواجه تحديات غير عادية. أثر ارتفاع كبير في درجات الحرارة على قدمي اليسرى، عينّي الاثنتين، ونطقي. لم يتوانى أبي وأمي عن السعي الحثيث لمساعدتي، إذ استشارا أطباء وراقبا صحتي عن كثب. مع مرور الوقت، استعدت نطقي، أجريت عملية زراعة أوتار صناعية في قدمي، وتلقيت علاجا مكثفا لعينّي.
نشأت في عائلة تملؤها المحبة، وشعرت بدعمها الراسخ والمستمر في كل خطوة. تلقيت تعليما مدرسيا حتى الصف الثامن، لكن مشكلاتي الصحية أجبرتني على التنقل بين المدرسة والمستشفى في كل شهر. واجهت تنمرا بسبب حالتي الصحية، إلا إني كنت على يقين من قدرتي على التغلب على تحدياتي.
أصبح الإصرار حليفي ضد تحدياتي. حتى وأنا حبيسة المنزل، انغمست في فنون التطريز، وحسنت مهاراتي. وبفضل دعم عائلتي، افتتحت معمل تطريز، وبعت مشغولاتي اليدوية في السوق المحلي.
علمت بافتتاح مصنع ألبسة في الطفيلة من أختي، وهي موظفة فيه. ألهمتني حقيقة أن المصنع يوظف عمالة من الأشخاص ذوي الإعاقة. قدمت طلب عمل، واندهشت حين وظفني المصنع بدون شروط.
في أول يوم عمل لي، شعرت بمزيج من الخوف، السعادة، وعدم اليقين بشأن القبول المجتمعي. وبالرغم من التحديات ونظرات الشفقة، ثابرت، وتجاوزت التوقعات.
ومع تزايد إدراكي لوضعي الصحي، انتقلت في المصنع من الإنتاج إلى التعبئة. أشعر بالامتنان لتلك الفرصة، وأتطلع لتحمل مسؤولياتي بدون قيود الإعاقة.
زادت طموحاتي عندما علمت بانتخابات اللجنة النقابية في أيلول/سبتمبر 2022. شعرت بضرورة الترشح، وأصبحت مناصرة جريئة لحقوق العمالة ذات الاحتياجات الخاصة، متجاوزة كل مخاوفي.
تمتد واجباتي في اللجنة النقابية إلى ما هو أبعد من أهدافي الشخصية. ومن خلال مناصرة حقوق العمالة، خاصة تلك المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، أتصور مستقبلا يكون فيه المصنع قدوة يحتذى بها في الشمولية.
لدى المصنع الإمكانية ليكون نموذجا في الشمولية. ودوري ليس مجرد عمل؛ بل إنه قوة لتحقيق تغيير إيجابي، وتعزيز الحوار لتحسين الظروف للجميع.
أثر العمل بعمق على حياتي، ومنحني الاستقلالية وجعلني أكثر قدرة على تحمل المسؤولية. تحولت إلى مساهمة فاعلة في دعم عائلتي، بعد أن كنت أشعر بأني عبء.
في المستقبل، أرى نفسي منارة لتمكين الأشخاص الذين يواجهون صعوبات أو شدائد في الحياة. أحلم بإلهام الآخرين. أريد أن يتردد صدى نجاحي في قلوب الأشخاص الذين قيل لهم إن أحلامهم محدودة.